فصل: (فَرْعٌ): (تصرف العامل على الزكاة فيها):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [تصرف العامل على الزكاة فيها]:

(لِعَامِلٍ بَيْعُ زَكَاةٍ مِنْ مَاشِيَةٍ وَغَيْرِهَا لِمَصْلَحَةٍ، وَيَصْرِفُهَا فِي الْأَحَظِّ لِفُقَرَاءَ حَتَّى فِي إجَارَةُ مَسْكَنٍ) لِنَحْوِ فَقِيرٍ، وَ(لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَا يَصِحُّ) بَيْعُهُ شَيْئًا مِنْهَا، (وَيَضْمَنُ) إنْ بَاعَ شَيْئًا بِمِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ.

.(الرَّابِعُ: مُؤَلَّفٌ):

لِلْآيَةِ، (وَحُكْمُهُ بَاقٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيُعْطَوْنَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُحْمَلُ تَرْكُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إعْطَاءَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعْطَائِهِمْ فِي خِلَافَتِهِمْ، لَا لِسُقُوطٍ سَهْمِهِمْ، فَإِنَّ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وأَعْطَى أَبُو بَكْرٍ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ، وَمَنَعَ وُجُودَ الْحَاجَةِ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ، وَاخْتِلَافُ أَحْوَالِ النُّفُوسِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا يُخْفِي فَسَادَهُ. (وَهُوَ)، أَيْ: الْمُؤَلَّفُ: (السَّيِّدُ الْمُطَاعُ فِي عَشِيرَتِهِ)، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِلتَّأْلِيفِ، وَإِنْ خُشِيَ شَرُّهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى ظَالِمٍ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ اسْمِ الْمُؤَلَّفِ لَهُ. (مِمَّنْ)، أَيْ: كَافِرٍ (يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ كَخَوَارِجَ) لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: «بَعَثَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: تُعْطِي صَنَادِيدَ نَجْدٍ وَتَدَعُنَا؟ فَقَالَ: إنِّي إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ،» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) مُسْلِمٌ (يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إيمَانِهِ)، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: «هُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْضِخُ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالُوا: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَابُوهُ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّفْسِيرِ. (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (إسْلَامُ نَظِيرِهِ)، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْطَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَالزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ مَعَ حُسْنِ نِيَّاتِهِمَا وَإِسْلَامِهِمَا رَجَاءَ إسْلَامِ نَظِيرِهِمَا، (أَوْ) لِأَجْلِ (جِبَايَتِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إلَّا بِالتَّخْوِيفِ، (أَوْ) لِأَجْلِ (دَفْعٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ) بِأَنْ يَكُونُوا فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، إذَا أُعْطُوا مِنْ الزَّكَاةِ دَفَعُوا الْكُفَّارَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا فَلَا. (أَوْ) يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ (نُصْحٌ فِي الْجِهَادِ)، فَيُعْطَى لِذَلِكَ (وَيُعْطَى) مُؤَلَّفٌ مِنْ زَكَاةٍ (مَا)، أَيْ: قَدْرًا (يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ)، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ)، أَيْ: الْمُطَاعِ فِي عَشِيرَتِهِ (فِي ضَعْفِ إسْلَامِهِ)، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَ(لَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (إنَّهُ مُطَاعٌ) فِي عَشِيرَتِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِعَدَمِ تَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ) مُؤَلَّفٍ (مَا أَخَذَهُ) إنْ أُعْطِيَ (لِكَفِّ شَرِّهِ كَهَدِيَّةٍ لِعَامِلٍ) وَرِشْوَةٍ، لِحَدِيثِ: «هَدَايَا الْعُمَّالُ غُلُولٌ» (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُعْطِيَ لِكَفِّ شَرِّهِ، بَلْ لِيَقْوَى إيمَانُهُ، أَوْ يُسْلِمَ نَظِيرَهُ، أَوْ يَنْصَحَ فِي الْجِهَادِ، أَوْ يَدْفَعَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ (حَلَّ) لَهُ مَا أَخَذَهُ كَبَاقِي أَهْلِ الزَّكَاةِ.

.(الْخَامِسُ: مُكَاتَبٌ):

قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبٍ، أَوَّلًا: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ}، (وَلَوْ قَبْلَ حُلُولِ نَجْمِ) كِتَابَةٍ لِئَلَّا يَحِلَّ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ. فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ (فَيُعْطَى) الْمُكَاتَبُ (وَفَاءَ دَيْنِ كِتَابَتِهِ، وَلَوْ مَعَ قُوَّةِ كَسْبٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ، وَ(لَا) يُعْطَى الْمُكَاتَبُ مِنْ الزَّكَاةِ (لِجِهَةِ فَقْرِهِ، لِأَنَّهُ قِنٌّ) مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَالْقِنُّ لَا يُعْطَى مِنْهَا. (وَيُجْزِئُ) مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ، و(لَا) يَشْتَرِي (بِعَرْضٍ رَقَبَةٍ لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ) لِرَحِمٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، (فَيُعْتِقُهَا) عَنْ زَكَاتِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْقِنِّ، بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذَا أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهَا: وَهِيَ فِي إعْتَاقِ الرِّقَابِ، (وَلَهُ وَلَاؤُهَا) لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
(وَ) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَفْدِيَ بِهَا أَسِيرًا مُسْلِمًا) نَصًّا، لِأَنَّهُ فَكُّ رَقَبَةٍ مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ الْقِنِّ مِنْ الرِّقِّ، وَإِعْزَازًا لِلدِّينِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَمِثْلُهُ) لَوْ (دَفَعَ لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَرَّمَهُ سُلْطَانٌ مَالًا لِيَدْفَعَ جَوْرَهُ)، فَيُجْزِئُهُ.
وَ(لَا) يُجْزِئُ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يُعْتِقَ قِنَّهُ أَوْ مُكَاتَبًا عَنْهَا)، أَيْ: عَنْ زَكَاتِهِ، لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ تَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ مِنْهَا لِمَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي قِيمَتِهِمْ لَا فِي عَيْنِهِمْ. (وَمَا أَعْتَقَ إمَامٌ أَوْ سَاعٍ مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ، وَمَا أَعْتَقَهُ رَبُّ الْمَالِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.

.(السَّادِسُ: غَارِمٌ):

وَهُوَ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (تَدَيَّنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ)، أَيْ: وَصْلٍ، كَقَبِيلَتَيْنِ، أَوْ أَهْلِ قَرْيَتَيْنِ، (وَلَوْ بَيْنَ أَهْلِ ذِمَّةٍ) تَشَاجَرُوا فِي دِمَاءٍ أَوْ أَمْوَالٍ وَخِيفَ مِنْهُ، فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمْ رَجُلٌ وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَالْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ مَالًا عِوَضًا عَمَّا بَيْنَهُمْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ، فَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، فَكَانَ مِنْ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنْ الصَّدَقَةِ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِسَادَةِ الْقَوْمِ الْمُصْلِحِينَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْحَمَالَةَ- بِفَتْحِ الْحَاءِ- ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْقَبَائِلِ يَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، فَأَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ ذَلِكَ، وَأَبَاحَتْ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَحَمَّلَ، (إتْلَافًا أَوْ نَهْبًا عَنْ غَيْرِهِ، أَوْ) تَحَمَّلَ مَالًا (لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ)، فَيَأْخُذُ مِنْ زَكَاةٍ. (وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا)، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَأَشْبَهَ الْمُؤَلَّفَ وَالْعَامِلَ. (إنْ لَمْ يَدْفَعْ مِنْ مَالِهِ) مَا تَحَمَّلَهُ، لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ مِنْهُ لَمْ يَصِرْ مَدِينًا، وَإِنْ اقْتَرَضَ وَوَفَّاهُ، فَلَهُ الْأَخْذُ لِوَفَائِهِ، لِبَقَاءِ الْغُرْمِ (أَوْ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ) فَلَهُ الْأَخْذُ، لِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: «تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلْتُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَك بِهَا» (أَوْ) تَحَمَّلَ (دَيْنَ ضَمَانٍ)، بِأَنْ ضَمِنَ غَيْرَهُ فِي دَيْنٍ (وَأَعْسَرَ) ضَامِنٌ مَعَ مَضْمُونٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةٍ لِوَفَائِهِ، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، لَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا، وَلَا إلَى أَحَدِهِمَا. الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْغَارِمِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَدَيَّنَ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ كُفَّارٍ، أَوْ) تَدَيَّنَ (مُكَاتَبٌ لِعِتْقِ) نَفْسِهِ (أَوْ) تَدَيَّنَ (لِنَفْسِهِ) فِي (شَيْءٍ) مُبَاحٍ، (أَوْ) تَدَيَّنَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ (مُحَرَّمٍ وَتَابَ) مِنْهُ (وَأَعْسَرَ) بِالدِّينِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} (وَيُعْطَى) غَارِمٌ (وَفَاءَ دَيْنِهِ كَمُكَاتَبٍ)، لِانْدِفَاعِ حَاجَتِهِمَا بِهِ. (وَلَوْ) كَانَ مَا لَزِمَهُ (دَيْنًا لِلَّهِ) تَعَالَى، كَحَجٍّ فَسَدَ، وَعَجَزَ عَنْ قَضَائِهِ، فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِيَقْضِيَهُ، لِأَنَّهُ دَيْنُ اللَّهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ مِنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّينَ (وَلَا يَقْضِي مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ، (دَيْنٌ) عَلَى (مَيِّتٍ)، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، لِقَبُولِهَا، كَمَا لَوْ كَفَّنَهُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ اسْتَدَانَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ، أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ. (وَلِإِمَامٍ قَضَاءُ دَيْنٍ مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (عَنْ حَيٍّ) بِلَا وَكَالَةٍ، لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي إيفَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ. (وَالْأَوْلَى لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ، (وَلِمَالِكِ) مَالٍ مُزَكًّى (دَفْعُهَا لِسَيِّدِ مُكَاتَبٍ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (لِرَدِّهِ)، أَيْ: السَّيِّدِ (مَا قَبَضَ) مِنْ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِمَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ (إنْ رَقَّ) الْمُكَاتَبُ (لِعَجْزٍ) عَنْ أَدَاءِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِتْقِ الَّذِي قَبَضَ لِأَجْلِهِ، وَ(لَا) يَرُدُّ سَيِّدُ مُكَاتَبٍ (مَا قَبَضَ مُكَاتَبٌ) مِنْ زَكَاةٍ وَدَفَعَهُ لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ عَجَزَ، لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا قَبَضَهُ بِالْقَبْضِ، فَلَمَّا عَجَزَ عَادَ هُوَ وَمَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ (وَلِمَالِكٍ دَفْعُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَرِيمٍ مَدِينٍ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) الْمَدِينُ (أَوْ) لَمْ (يَأْذَنْ لَهُ) فِي دَفْعِهَا نَصًّا، لِأَنَّهُ دَفَعَ عَنْهُ الزَّكَاةَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ فَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ، (وَإِنْ دَفَعَ) مُزْكٍ زَكَاةَ مَالِهِ (لِغَارِمٍ لِفَقْرِهِ، جَازَ) لِلْغَارِمِ (أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ) لِمِلْكِهِ إيَّاهُ مِلْكًا تَامًّا. (وَإِنْ دَفَعَ لَهُ لِقَضَاءِ دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ) لَهُ (صَرْفُهُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ) كَانَ (فَقِيرًا)، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ أَخْذًا مُرَاعًى. (وَيَتَّجِهُ: لَوْ دَفَعَ) إنْسَانٌ (نَحْوَ تَمْرَةٍ لِصَائِمٍ) لِيُفْطِرَ عَلَيْهَا.
(وَ) كَذَا (نَحْوُ ثَوْبٍ لِفَقِيرِ لِيَلْبَسَهُ تَعَيَّنَ مَدْفُوعٌ لَهُ)، أَيْ: لِمُسْتَحِقِّ قَبْضِهِ، فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْتَحِقُّ فِي غَيْرِ مَا دَفَعَ لِأَجْلِهِ (إلَّا لِغَرَضٍ أَعْلَى) مِمَّا قَصَدَ الدَّافِعُ اسْتِعْمَالَ مَدْفُوعٍ بِهِ، كَاطِّعَامِ مُسْتَحِقِّ التَّمْرَةِ (لِصَائِمٍ آخَرَ) أَحْوَجَ مِنْهُ لِأَكْلِهَا، أَوْ إلْبَاسِهِ الثَّوْبَ لِفَقِيرٍ أَحْوَجَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ عُرْيَانًا. وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، إذْ مُقْتَضَى قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، وَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ قَصْدِ الدَّافِعِ، وَهَذَا الْمُسْتَحِقُّ لِمَا مَلَكَ، قَبَضَ نَحْوَ التَّمْرَةِ أَوْ الثَّوْبِ، إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ. فَإِلْزَامُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ تَحَكُّمٌ. نَعَمْ، إذَا وُجِدَ مُضْطَرٌّ وَعِنْدَهُ مَا يَدْفَعُ اضْطِرَارَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عِنْدَهُ مَوْهُوبًا لَهُ، أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ.

.(السَّابِعُ: غَازٍ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (بِلَا دِيوَانٍ، أَوَّلُهُ) فِي الدِّيوَانِ شَيْءٌ، (وَلَا يَكْفِيهِ) لِفَرْدِهِ (فَيُعْطَى مِنْهَا)- أَيْ: الزَّكَاةِ، (وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا) لِأَنَّهُ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ- (مَا يَحْتَاجُ) إلَيْهِ (لِغَزْوِهِ ذَهَابًا وَإِقَامَةً) بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، (وَإِيَابًا) إلَى بَلَدِهِ. (وَنَحْوُهُ ثَمَنُ سِلَاحٍ) وَدِرْعٍ (وَفَرَسٍ لِفَارِسٍ وَحُمُولَتِهِ)، أَيْ: مَا يَحْمِلُهُ مِنْ بَعِيرٍ وَنَحْوِهِ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ) إنْ ادَّعَى (أَنَّهُ يُرِيدُ الْغَزْوَ)، لِأَنَّ إرَادَتَهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. (وَيُجْزِئُ) أَنْ يُعْطِيَ مِنْ زَكَاةٍ (لِحَجِّ فَرْضِ فَقِيرٍ وَعُمْرَتِهِ) فَيُعْطِي مَا يَحُجُّ بِهِ فَقِيرٌ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يَعْتَمِرُ، أَوْ يُعِينُهُ فِيهِمَا، لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رَوَاه أَحْمَدُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ: أَنَّ الرِّبَاطَ كَالْغَزْوِ. (وَلَوْ لَمْ يَجِبَا)، أَيْ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْفَقِيرُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْهُ كَالتَّطَوُّعِ. (وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا) يُعْطِي أَعْزَبَ مَكْفِيَّ الْمُؤْنَةِ غَيْرَ تَائِقٍ مِنْ الزَّكَاةِ (لِتَزْوِيجِهِ، فَإِنْ اسْتَدَانَ لَهُ)، أَيْ: التَّزْوِيجِ، (جَازَ) أَنْ يُعْطَى مِنْهَا مَا يُوَفِّي بِهِ دَيْنَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا فَرَسًا، يَحْبِسُهَا) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، (أَوْ) أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا (عَقَارًا يَقِفُهُ عَلَى غُزَاةٍ)، لِعَدَمِ الْإِيتَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، (وَلَا) يُجْزِئُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ (غَزْوُهُ عَلَى فَرَسٍ) أَوْ بِدِرْعٍ وَنَحْوِهِ (مِنْهَا)، أَيْ: زَكَاتِهِ، لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مَصْرِفًا لِزَكَاتِهِ، كَمَا لَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ. (وَلِإِمَامٍ شِرَاءُ فَرَسٍ بِزَكَاةِ رَجُلٍ وَدَفَعَهَا)، أَيْ: الْفَرَسَ (إلَيْهِ) أَيْ: رَبِّ الزَّكَاةِ (لِيَغْزُوَ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهَا بِدَفْعِهَا لِلْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ لِإِمَامٍ دَفْعُ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ لِمَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ. (وَإِنْ لَمْ يَغْزُ) مَنْ أَخَذَ فَرَسًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الزَّكَاةِ، (رَدَّهَا) عَلَى إمَامٍ، لِأَنَّهُ أُعْطِيَ عَلَى عَمَلٍ وَلَمْ يَعْمَلْهُ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَخَذَ مِنْ الصَّدَقَةِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ وَ(كَفَرَسٍ حَيَوَانٌ) كَبَغْلٍ وَفِيلٍ (يُقَاتِلُ عَلَيْهِ) فَلِلْإِمَامِ شِرَاؤُهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، (وَ) شِرَاءُ (سُفُنٍ لِجِهَادٍ، لِأَنَّهُ)، أَيْ: الْمَذْكُورَ (مِنْ حَاجَةِ الْغَازِي) وَمَصْلَحَتِهِ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِعْلُهُ، لِأَنَّهُ بِالْمَصَالِحِ أَدْرَى مِنْ غَيْرِهِ.

.(الثَّامِنُ: ابْنُ سَبِيلٍ):

لِلْآيَةِ (وَهُوَ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ) بِسَفَرِهِ. (وَيَتَّجِهُ): كَوْنُهُ مُنْقَطِعًا (عُرْفًا) فَلَا يَقْدَحُ وُجُودُ بَقِيَّةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ نَفَقَتِهِ، إذْ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (بِغَيْرِ بَلَدِهِ وَلَا يُعْطَى مُنْشِئٌ سَفَرًا مِنْهَا)، أَيْ: بَلَدِهِ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَصِيرُ ابْنَ سَبِيلٍ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَالسَّبِيلُ هِيَ: الطَّرِيقُ، وَسُمِّيَ مَنْ يُغَيِّرُ بَلَدَهُ: ابْنَ سَبِيلٍ، لِمُلَازِمَتِهِ لَهَا، كَمَا يُقَالُ: وَلَدُ اللَّيْلِ لِمَنْ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ فِيهِ، وَابْنُ الْمَاءِ لِطَيْرِهِ، وَلِمُلَازَمَتِهِ لَهُ، (فَيُعْطَى) ابْنُ السَّبِيلِ. (وَلَوْ مَعَ غِنَاهُ بِبَلَدِهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوُصُولِ إلَى مَالِهِ، وَعَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ سَقَطَ مَتَاعُهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ ضَاعَ.
(وَ) لَوْ (وَجَدَ مُقْرِضًا) ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِي بَلَدِهِ، أُعْطِيَ لِفَقْرِهِ مَا يَكْفِيهِ سَنَةً، وَأُعْطِي لِكَوْنِهِ ابْنَ سَبِيلٍ (مَا يُبَلِّغُهُ بَلَدَهُ) إنْ كَانَ ذَاهِبًا إلَيْهَا (أَوْ) يُبَلِّغُهُ (مُنْتَهَى قَصْدِهِ) إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا، وَانْقَطَعَ قَبْلَ الْبَلَدِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ، (وَعَوْدُهُ إلَيْهَا)، أَيْ: بَلَدِهِ، لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى بُلُوغِ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ، وَمَحَلُّهُ (إنْ كَانَ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ) كَطَلَبِ رِزْقٍ أَوْ سَفَرِ طَاعَةٍ، كَحَجٍّ، وَعِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَوَسَائِلُهُ، وَصِلَةِ رَحِمٍ (أَوْ) سَفَرٍ (مُحَرَّمٍ، وَتَابَ) مِنْهُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، وَ(لَا) يُعْطَى ابْنُ سَبِيلٍ فِي سَفَرٍ (مَكْرُوهٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَ) لَا فِي سَفَرِ (نُزْهَةٍ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَتُبْ) مَنْ سَافَرَ سَفَرًا مَكْرُوهًا أَوْ نُزْهَةً، (بِأَنْ نَوَى) قَلْبَ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ (مُبَاحًا) كَالتِّجَارَةِ، لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ يُعْطَى، فَهَذَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لِتِجَارَةٍ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ) وَقَبْلَ إخْرَاجِهَا (أَجْزَأَ) سَيِّدَهُ (دَفْعُهَا)، أَيْ: زَكَاةِ قِيمَتِهِ (إلَيْهِ)- أَيْ: الْعَتِيقِ- لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا مِنْ أَهْلِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ كُفْرٍ وَنَحْوِهِ (وَيُجْزِئُ دَفْعُ نَحْوِ زَكَاةٍ) كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، (وَكَفَّارَةٍ لِصَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ طَعَامًا) لِصِغَرِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِلْعُمُومِ، فَيَصْرِفُ فِي أُجْرَةِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (وَيَقْبَلُ) لَهُ وَلِيُّهُ، (وَيَقْبِضُ لَهُ)، أَيْ: الصَّغِيرِ، نَحْوَ الزَّكَاةِ (وَلَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا وَلِيُّهُ) فِي مَالِهِ (وَمَعَ عَدَمِهِ)، أَيْ: الْوَلِيِّ، يَقْبِضُ لَهُ (مَنْ يَلِيهِ مِنْ أُمٍّ وَقَرِيبٍ وَغَيْرِهِمْ نَصًّا) لِأَنَّ حِفْظَهُ مِنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ. (وَسُنَّ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ)، أَيْ: أَهْلِ الزَّكَاةِ (الثَّمَانِيَةِ بِلَا تَفْضِيلٍ) بَيْنَهُمْ (إنْ وُجِدَتْ) الْأَصْنَافُ (بِمَحَلٍّ وَجَبَتْ) الزَّكَاةُ (فِيهِ)، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَتَحْصِيلًا لِلْإِجْزَاءِ يَقِينًا. (وَيُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى) صِنْفٍ (وَاحِدٍ) مِنْهَا، أَوْ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَبِيصَةَ: «أَقِمْ عِنْدَنَا حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا وَأَمَرَ بَنِي زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ لِسَلَمَةَ بْنِ صَخْر» وَلَوْ وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا إلَى وَاحِدٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا.
(وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِذَوِي أَرْحَامِهِ كَعَمَّةٍ) وَبِنْتِ أَخٍ (وَلَوْ وَرِثُوا لِضَعْفِ قَرَابَتِهِمْ)، لِكَوْنِهِمْ لَا يَرِثُونَ بِهَا مَعَ عَصَبَةٍ، وَلَا ذَوِي فَرْضٍ غَيْرِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَ(غَيْرِ عَمُودِيٍّ نَسَبُهُ) لِأَمَةٍ لَا يُجْزِئُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ، وَيَجُوزُ إعْطَاءُ ذَوِي الرَّحِمِ غَيْرَهُمْ.
(وَ) يُجْزِئُ دَفْعُهَا (لِمَنْ تَبَرَّعَ) مُزْكٍ (بِنَفَقَتِهِ بِضَمِّهِ إلَى عِيَالِهِ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى (وَشُرِطَ) لِإِجْزَاءِ زَكَاةٍ (تَمْلِيكُ مُعْطًى وَإِقْبَاضُهَا لَهُ عَيْنًا) لَا قِيمَةً فِي غَيْرِ الْعُرُوضِ، (فَلَا يُجْزِئُ إبْرَاءُ مَدِينِهِ) مِنْ دَيْنِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، (وَلَا) تُجْزِئُ (حَوَالَةٌ بِهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إيتَاءً، وَكَذَا الْحَوَالَةُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ يُحِيلُ عَلَيْهِ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ مُسْتَحِقٍّ) لِلزَّكَاةِ بِهَا (قَبْلَ قَبْضِهَا)، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِهِ (وَهِيَ)، أَيْ: الزَّكَاةُ (مِنْ ضَمَانِ مَالِكٍ) إنْ تَلِفَتْ، وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ لَهَا، لِبَقَائِهَا فِي مِلْكِهِ، (وَلَوْ قَالَ) مُسْتَحِقُّهَا (لِمَالِكٍ قَبْلَ قَبْضِهَا) مِنْهُ (اشْتَرِ لِي بِهَا ثَوْبًا) أَوْ غَيْرَهُ، (فَشَرَاهُ) لَهُ، (لَمْ يُجْزِئْهُ وَهُوَ)، أَيْ: الثَّوْبُ (لِمَالِكٍ) دُونَ مُسْتَحِقٍّ. فَصْلٌ (وَإِنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ) مِنْ دَيْنٍ، (أَوْ) سَقَطَ مَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) مِنْ مَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ فَضَلَ مَعَهُمَا)، أَيْ: الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ شَيْءٌ عَنْ الْوَفَاءِ، (أَوْ) فَضَلَ (مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، رَدَّ) غَارِمٌ، أَوْ مُكَاتَبٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (الْكُلُّ)، أَيْ: مَا أَخَذَهُ (أَوْ) رَدَّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ غَارِمٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَازٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (مَا فَضَلَ) مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرَاعًى، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي جِهَتَهُ الَّتِي اسْتَحَقَّ أَخَذَهُ لَهَا، وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ، (وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ) الْأَرْبَعَةِ (مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَعَامِلٍ وَمُؤَلَّفٍ، يَتَصَرَّفُ فِي فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ)، لِأَنَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَضَافَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ: «وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ» وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِمَعْنًى يَحْصُلُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ: غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَدَاءِ أَجْرِ الْعَامِلِينَ، وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ يَأْخُذُونَ لِمَعْنًى لَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَافْتَرَقُوا. (وَمَنْ سَأَلَ وَاجِبًا) كَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ زَكَاةٍ (مُدَّعِيًا كِتَابَةً)، أَيْ: أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (غُرْمًا)، أَيْ: أَنَّهُ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، أَوْ) مُدَّعِيًا (فَقْرًا، وَعُرِفَ بِغِنًى) قَبْلَ ذَلِكَ، (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ)، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، صُدِّقَ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ بِلَا يَمِينٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ غَارِمٌ، لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَيَكْفِي الِاشْتِهَارُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَتَبِعَهُمَا فِي: الْإِقْنَاعِ (وَهِيَ)، أَيْ: الْبَيِّنَةُ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى: (ثَلَاثَةُ رِجَالٍ)، لِحَدِيثِ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَالسَّدَادُ بِالْفَتْحِ: الْقَصْدُ فِي الدِّينِ، وَبِالْكَسْرِ: الْبُلْغَةُ. قَالَهُ فِي ثَمَرَاتِ الْأَوْرَاق. (وَإِنْ صَدَّقَ مُكَاتَبًا سَيِّدُهُ)، قُبِلَ وَأُعْطِيَ، (أَوْ) صَدَّقَ (غَارِمًا غَرِيمُهُ) أَنَّهُ مَدِينُهُ، (قُبِلَ وَأُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ. (وَيُقَلَّدُ مَنْ ادَّعَى) مِنْ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ (عِيَالًا)، فَيُعْطَى لَهُ وَلَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ، (أَوْ) ادَّعَى (فَقْرًا وَلَمْ يُعْرَفْ بِغِنًى)، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِهِ، (وَكَذَا) يُقَلَّدُ (جَلْدٌ)- بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ: صَحِيحٌ- (ادَّعَى عَدَمَ مَكْسَبٍ)، وَيُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ (وَلَوْ مُتَجَمِّلًا)، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّجَمُّلِ الْغِنَى، قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ}، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ (بَعْدَ إعْلَامِهِ)، أَيْ: الْجَلْدِ (وُجُوبًا) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ الْإِعْلَامِ (لِجَاهِلِ) الْحُكْمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَقَوْلُهُمْ: أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ- وَهُوَ مُتَّجِهٌ- (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الَّذِينَ سَأَلَاهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِينَا النَّظَرَ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ فَقْرًا وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ فِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ) كَذَوِي رَحِمِهِ، وَمَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ نَحْوِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ (عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) فَيَزِيدُ ذَا الْحَاجَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، لِحَدِيثِ: «صَدَقَتُكَ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (وَيَبْدَأُ بِأَقْرَبِهِمْ)، أَيْ: قَرَابَاتِهِ مِنْهُ (كـَ) مَا لَوْ دَفَعَهَا لِـ (جِيرَانِهِ)، فَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، (وَلَا يَسْتَخْدِمُ بِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (مُعَطِّلٌ) قَرِيبًا وَلَا غَيْرَهُ، مُرَاعَاةً لِلْإِخْلَاصِ، (وَلَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً) عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يَقْصِدُ بِدَفْعِهَا الِامْتِثَالَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَلَا يَقِي بِهَا مَالَهُ كَقَوْمٍ عَوَّدَهُمْ بُرًّا فَيُعْطِيهِمْ مِنْهَا لِدَفْعِ مَا عَوَّدَهُمْ)، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هَذَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ. انْتَهَى.
لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ،. (وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ زَكَاةٍ سَبَبَانِ) كَفَقِيرٍ غَارِمٍ، أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ، (أَخَذَ بِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، فَيُعْطَى بِفَقْرِهِ كِفَايَتَهُ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَبِغُرْمٍ مَا يَفِي بِهِ دَيْنَهُ، (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (لَا بِعَيْنِهِ) لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ أَحْكَامُهُمَا كَفَقِيرٍ مُؤَلَّفٍ، جَازَ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، لِعَدَمِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا. (وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ) مَعْلُومٌ، فَذَاكَ، (وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ، (كَانَ) مَا أُعْطِيَهُ (بَيْنَهُمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (نِصْفَيْنِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْيِينِ لِكُلٍّ قَدْرًا، أَوْ الْقِسْمَةُ عَنْ عَدَمِهِ، لَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ الرَّدَّ، كَمَا لَوْ أُبْرِئَ الْغَارِمُ فِي الْمِثَالِ، فَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ لِلْغُرْمِ دُونَ الْفَقْرِ. (وَتُجْزِئُ) الزَّكَاةُ، أَيْ: دَفْعُهَا (لِغَرِيمِهِ) لِيَقْضِيَ بِهَا دَيْنَهُ (وَمُكَاتَبِهِ) لِيَفُكَّ بِهَا رَقَبَتَهُ، (مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ)، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ حِيلَةٌ، فَلَا يُعْجِبُنِي، وَنَقَلَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ قَصَدَ بِالدَّفْعِ الْحِيلَةَ (عَلَى إحْيَاءِ مَالِهِ) وَاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ. (وَلَوْ) كَانَتْ الْحِيلَةُ (بِمُوَاطَأَةٍ) مِنْ الدَّائِنِ وَغَرِيمِهِ، عَلَى أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْهَا دَيْنَهُ، لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ الْغَرِيمُ مِنْ نَفْسِهِ مَا قَبَضَهُ وَفَاءً عَنْ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَا مُوَاطَأَةٍ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ (وَعِنْدَ الْقَاضِي) أَبِي يَعْلَى (وَغَيْرِهِ: الْحِيلَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ)، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَمْلِيكًا صَحِيحًا، فَإِذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ لَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ الصَّحِيحُ.

.(فَصْلٌ): [هل تُجْزِئُ الزَّكَاةُ لِكَافِرٍ غَيْرِ مُؤَلَّفٍ]:

(وَلَا تُجْزِئُ) زَكَاةٌ (لِكَافِرٍ غَيْرِ مُؤَلَّفٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (كَامِلِ رِقٍّ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَلَوْ كَانَ سَيِّدُهُ فَقِيرًا وَنَحْوِهِ، لِاسْتِغْنَائِهِ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ، (غَيْرِ عَامِلٍ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ سَيِّدُهُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ يَسْتَحِقُّهَا، (وَ) غَيْرِ (مُكَاتَبٍ) لِأَنَّهُ فِي الرِّقَابِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (لِزَوْجَةِ) الْمُزَكِّي، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ. وَكَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَالنَّاشِزُ كَغَيْرِهَا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ.
(وَ) لَا تُجْزِئُ إلَى (فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مُسْتَغْنِيَيْنِ بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ) عَلَى قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ غَنِيَّيْنِ (وَلَمْ تَتَعَذَّرْ) النَّفَقَةُ مِنْهُمَا، لِحُصُولِ الْكِفَايَةِ بِالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمَا، أَشْبَهَ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغْنِي بِأُجْرَتِهِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ تَعَذَّرَتْ مِنْهُمَا، (فَتُجْزِئُ) زَكَاةٌ دُفِعَتْ إلَيْهِمَا (إذَنْ)، أَيْ: عِنْدَ التَّعَذُّرِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا.
وَ(لَا) تُجْزِئُ لِزَوْجَةٍ غَنِيٍّ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا (لِنُشُوزِ) هَا، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالنُّشُوزِ، فَهِيَ كَمَنْ غَيَّبَ مَالَهُ لِوُجُوبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهَا. (وَلَا) تُجْزِئُ إلَى (عَمُودِيٍّ نَسَبُهُ)، أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ، الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ نَصًّا، لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَيْهِمْ يُغْنِيهِمْ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَيُسْقِطُهَا عَنْهُ، فَيَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى نَفْسِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، (إلَّا أَنْ يَكُونَا)، أَيْ: عَمُودِيٌّ نَسَبُهُ (عُمَّالًا) عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ أَجْرَ عَمَلِهِمْ، كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ، (أَوْ) يَكُونَا (مُؤَلَّفَيْنِ)، لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ لِلتَّأْلِيفِ، كَمَا لَوْ كَانُوا أَجَانِبَ، (أَوْ) يَكُونَا (غُزَاةً)، لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، أَشْبَهُوا الْعَامِلِينَ، (أَوْ) يَكُونَا (غَارِمَيْنِ) لِإِصْلَاحِ (ذَاتِ بَيْنٍ، وَلَا) يُعْطُونَ إنْ كَانُوا غَارِمَيْنِ (لِأَنْفُسِهِمْ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تُجْزِئُ لِعَمُودِيٍّ نَسَبُهُ إذَا كَانُوا (مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ)، لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (امْرَأَةً) دَفْعُ زَكَاتِهَا إلَى (زَوْجِ) هَا، لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَيْهَا بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةِ إنْسَانٍ إلَى (سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِمَّنْ يَرِثُهُ حَالَ دَفْعٍ بِفَرْضٍ) كَأُخْتٍ، (أَوْ تَعْصِيبٍ) كَعَمٍّ وَعَتِيقٍ حَيْثُ لَا حَاجِبَ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ، وَالْآخَرُ لَا يَرِثُهُ، كَعَتِيقٍ وَمُعْتِقِهِ، وَأَخَوَيْنِ، لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ وَنَحْوُهُ، فَالْوَارِثُ مِنْهُمَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْآخَرِ، فَلَا يَدْفَعُ زَكَاتَهُ إلَى مَنْ تَجِبُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ (مَا لَمْ يَكُنْ) مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ (عَامِلًا أَوْ غَازِيًا أَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ، أَوْ غَارِمًا لِإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ)، لِأَنَّهُ يُعْطَى لِغَيْرِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، بِخِلَافِ عَمُودِيِّ النَّسَبِ، لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ. (وَلَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ (لِبَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ سُلَالَتُهُ)، أَيْ: هَاشِمٍ، ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، (فَدَخَلَ آلُ عَبَّاسٍ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، (وَ) آلُ (عَلِيٍّ وَ) آلُ (جَعْفَرٍ وَ) آلُ (عَقِيلٍ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ (وَ) آلُ (الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ) آلُ (أَبِي لَهَبٍ) سَوَاءٌ أُعْطُوا مِنْ الْخُمُسِ أَوْ لَا. هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِعُمُومِ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَخَذَ الْحَسَنُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِخْ كِخْ، لِيَطْرَحَهَا، وَقَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (مَا لَمْ يَكُونُوا)، أَيْ: آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غُزَاةً أَوْ مُؤَلَّفَةً، أَوْ غَارِمِينَ كَإِصْلَاحِ) ذَاتِ بَيْنٍ، فَيُعْطُونَ لِذَلِكَ مَعَ الْغِنَى، لِجَوَازِ الْأَخْذِ لِذَلِكَ مَعَ الْغِنَى، وَعَدَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: (لَا) يُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى بَنِي هَاشِمٍ (إنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ أَوْ أَبْنَاءَ سَبِيلٍ) لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ لِلْغُزَاةِ وَالْمُؤَلَّفَةِ وَالْغَارِمِينَ. (وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُمْ)، أَيْ: بَنِي هَاشِمٍ (عَامِلِينَ) عَلَى الزَّكَاةِ، لِشَرَفِهِمْ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَجَمْعٌ)، مِنْهُمْ: الْقَاضِي يَعْقُوبُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: (جَوَازَ أَخْذِهِمْ إنْ مُنِعُوا الْخُمُسَ)، لِأَنَّهُ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ زَكَاةِ الْهَاشِمِيِّينَ، ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ. (وَكَزَكَاةِ كَفَّارَةٍ)، فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِبَنِي هَاشِمٍ لِوُجُوبِهَا بِالشَّرْعِ، (وَمِثْلُهُمْ)، أَيْ: بَنِي هَاشِمٍ (مَوَالِيهِمْ)، أَيْ: عُتَقَاؤُهُمْ، لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: «اصْحَبْنِي كَيْمَا نُصِيبَ مِنْهَا، فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ، فَانْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. و(لَا) كَذَلِكَ (مَوَالِي مَوَالِيهِمْ)، فَيُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَوَالِي مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ، لِأَنَّ النَّصَّ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ، (وَلَا) كَذَلِكَ أَيْضًا (وَلَدُ بَنِي الْمُطَّلِبِ)، لِأَنَّ الْمُطَّلِبَ أَخُو هَاشِمٍ، فَهُوَ أَبْعَدُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ (وَهُمْ)، أَيْ: بَنُو الْمُطَّلِبِ (فِي دَرَجَةِ بَنِي أُمَيَّةَ)، وَبَنُو أُمَيَّةَ تُجْزِئُ لَهُمْ اتِّفَاقًا، وَلِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لِبَنِي الْمُطَّلِبِ، خَرَجَ مِنْهَا بَنُو هَاشِمٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ أَشْرَفُ وَأَقْرَبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَارَكُوهُمْ فِي الْخُمُسِ بِالنُّصْرَةِ مَعَ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ، قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ» وَالنُّصْرَةُ لَا تَقْتَضِي حِرْمَانَ الزَّكَاةِ.
(وَ) يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى (وَلَدِ هَاشِمِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَقَالَهُ الْقَاضِي اعْتِبَارًا بِالْأَبِ. (وَلَا) يَمْتَنِعُ أَخْذُ الزَّكَاةِ عَلَى (أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ. (وَلِهَاشِمِيٍّ أَخْذُ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَنَذْرٍ وَوَصِيَّةٍ لِفُقَرَاءَ)، لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مُنِعُوا مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ (إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ مُطْلَقًا، فَرْضَهَا وَنَفْلَهَا، لِأَنَّ اجْتِنَابَهَا كَانَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَعَلَامَاتِهَا، فَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهِ، فَرُوِيَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصْفِهِ لَهُ. قَالَ: «إنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»، وَلِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَمَّا مُنِعُوا فَرْضِ الصَّدَقَةِ لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَبَ أَنْ يُنَزَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْلِهَا وَفَرْضِهَا، لِشَرَفِهِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، تَمْيِيزًا لَهُ بِذَلِكَ، كَمَا خَصَّ مَعَ خُمُسِ الْخُمُسِ بِالصَّفِيِّ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَبِالْإِسْهَامِ لَهُ مَعَ غَيْبَتِهِ مِنْ الْمَغَانِمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَرِضَ، وَلَا أَنْ يُهْدَى لَهُ، أَوْ يُنْظَرَ بِدَيْنِهِ، أَوْ يُوضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَشْرَبَ مِنْ سِقَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْمَارَّةِ، أَوْ يَأْوِيَ إلَى مَكَانٍ جُعِلَ لِلْمَارَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعْرُوفِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهَا فِي حَقِّ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الصَّدَقَةِ، لِحَدِيثِ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». (وَلِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ) مِنْ هَاشِمِيٍّ وَغَنِيٍّ وَنَحْوِهِمَا (قَبُولُهَا هَدِيَّةً وَتَطَوُّعًا مِمَّنْ أَخَذَهَا مِنْ أَهْلِهَا)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى لِغَنِيٍّ،» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى أُمِّ عَطِيَّةَ، وَقَالَ: إنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحَلَّهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِسْ الْبَاقِيَ عَلَى ذَلِكَ.

.(فَرْعٌ): [دَفَعُ الزَّكَاةِ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا]:

(مَنْ) (دَفَعَ زَكَاةً لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا) كَهَاشِمِيٍّ، أَوْ قِنٍّ غَيْرِ مُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ (جَهْلًا) مِنْهُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ، (ثُمَّ عَلِمَ) ذَلِكَ، (لَمْ يُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا، فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَتِهِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، (إلَّا) إذَا دَفَعَهَا (لِغَنِيٍّ ظَنَّهُ فَقِيرًا)، فَيُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْفَقْرَ قَدْ يَخْفَى، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الْجَلْدَيْنِ، وَقَالَ: وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»، وَلَوْ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ انْتِفَاءِ الْغِنَى، لَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِمَا.
(وَ) إنْ دَفَعَهَا (لِمَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ)، لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ، لِتَحْصِيلِ الْبَرَاءَةِ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ لِتَعَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. (وَلَوْ بَانَ مِنْهُمْ) كَمَا لَوْ هَجَمَ وَصَلَّى، فَبَانَ فِي الْوَقْتِ. (وَحَيْثُ دُفِعَتْ) الزَّكَاةُ (لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا، لِجَهْلِ دَافِعٍ) بِهِ، (وَجَبَ) عَلَى آخِذِهَا (رَدُّهَا لَهُ بِنَمَائِهَا مُطْلَقًا)، مُتَّصِلًا كَانَ كَالسِّمَنِ، أَوْ مُنْفَصِلًا كَالْوَلَدِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ. (وَإِنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ بِيَدِ قَابِضِهَا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، (فَمِنْ ضَمَانِهِ) فَيَغْرَمُ مِثْلَ مِثْلِيٍّ، وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ، لِبُطْلَانِ قَبْضِهِ. (وَيُتَّجَهُ: هَذَا) الضَّمَانُ لَازِمٌ لَهُ إنْ قَبَضَهَا (مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ)، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهَا، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا زَكَاةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ]:

(مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ (أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ)، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي فُرِضَ لَهُ. (وَمَنْ لَا) يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ كَالْغَنِيِّ، لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، (فَلَا) يُبَاحُ لَهُ سُؤَالُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْأَبِ أَيْسَرُ، (فَيَحْرُمُ سُؤَالُهُ) الزَّكَاةَ أَوْ الْكَفَّارَةَ لِنَحْوِ فَقْرٍ لَا غَزْوٍ، (وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. (وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ مَاءٍ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي الْعَطْشَانِ لَا يَسْتَسْقِي: يَكُونُ أَحْمَقَ.
قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَعْلَمَ حِلَّ الْمَسْأَلَةِ، وَمَتَى تَحِلُّ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: إنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دِينِهِ فَرْضٌ.
(وَ) لَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ (عَارِيَّة وَقَرْضٍ)، نَصَّ عَلَيْهِمَا، (وَ) لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ (شَيْءٍ يَسِيرٍ كَشِسْعِ نَعْلٍ)، أَيْ: سَيْرِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ، (وَلَا بَأْسَ بِسُؤَالِهِ)، أَيْ: الشَّخْصِ غَيْرَهُ (لِمُحْتَاجٍ غَيْرَهُ) صَدَقَةً أَوْ حَاجَةً، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْكُرْبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِ.
(وَ) الطَّلَبُ لِلْغَيْرِ إذَا كَانَ (بِتَعْرِيضٍ أَعْجَبُ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) مِنْ السُّؤَالِ صَرِيحًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ يُعَرِّضُ أَحَبُّ إلَيَّ، (وَإِعْطَاءُ السُّؤَالِ) جَمْعُ: سَائِلٍ (مَعَ صِدْقِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ)، لِحَدِيثِ: «لَوْ صَدَقَ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بِأَنَّ السَّائِلَ إذَا قَالَ: أَنَا جَائِعٌ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ، وَجَبَ إطْعَامُهُ. وَإِنْ سَأَلُوا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ وَلَوْ أَقْسَمُوا، لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَوْ جَهِلَ حَالَ سَائِلٍ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ)، وَلَوْ سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَأَطْلَقَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا: هَلْ هُوَ قَرْضٌ أَوْ صَدَقَةٌ؟ قُبِلَ: قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهِ قَرْضًا، لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، كَسُؤَالِهِ مِقْدَارًا كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ قَرِينَةُ الْقَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي شَيْئًا إنِّي فَقِيرٌ، قُبِلَ قَوْلُ الْفَقِيرِ فِي كَوْنِهِ صَدَقَةً، عَمَلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ. (وَلَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ) وِفَاقًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» وَعَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي الْآيَةِ: الزَّكَاةُ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَمَا جَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ كَإِطْعَامِ جَائِعٍ وَنَحْوِهِ) كَأَسِيرٍ، فَيَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَا تَعَارُضَ. (وَمَنْ أُعْطِيَ لِاتِّقَاءِ ذَمِّهِ أَوْ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءِ مَسْئُولٍ فَحَرَامٌ) عَلَى الْآخِذِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى دَافِعٍ، كَهَدِيَّةِ عَامِلٍ لِدَفْعِ ظُلْمٍ. (وَيَجِبُ أَخْذُ مَالٍ) طَيِّبٍ (لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَتَى بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْهُ»، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَرَامًا بِيَقِينٍ، وَجَبَ رَدُّهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً، أَوْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، (فَلَا بَأْسَ بِرَدِّهِ) نَصًّا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِشْرَافِ. (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا يَجِبُ) قَبُولُ مَالٍ طَيِّبٍ جَاءَ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا نَكُونُ أَعِزَّاءَ (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ)، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ: (مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ) وَفِي الْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى: فِي الْهِبَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْقَبُولُ، وَيُكْرَهُ الرَّدُّ، (قَالُوا)، أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ) مَبْذُولٌ لَهُ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَ) قَالُوا (فِي الصَّلَاةِ): إنَّ الْعَارِيَ (لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ) هِبَةً لَا عَارِيَّةً، (وَصَوَّبَهُ)، أَيْ: عَدَمَ وُجُوبِ الْقَبُولِ (فِي الْإِنْصَافِ ) لِمَا فِي قَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ الْمِنَّةِ. (وَيُتَّجَهُ: وَهُوَ)، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ (الْأَصَحُّ)، لِمَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ، وَعِفَّتِهَا، وَزُهْدِهَا فِي الدُّنْيَا، وَطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ، وَقَمْعِ النَّفْسِ عَنْ مُشْتَهَيَاتِهَا (وَإِلَّا) تُعْتَبَرْ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (تَنَاقَضَ قَوْلُهُمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ) فَقْرًا، (أَوْ إظْهَارِهِ)، أَيْ: الْغَنِيِّ (فَقْرًا وَلَوْ) أَخَذَ ذَلِكَ (مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) وَتَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَسُنَّ تَعَفُّفُ غَنِيٍّ عَنْهَا)، أَيْ: صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، (فَلَا يَأْخُذُهَا) وَلَوْ بُذِلَتْ لَهُ.
(وَ) سُنَّ (عَدَمُ تَعَرُّضِهِ)، أَيْ: الْغَنِيِّ (لَهَا) رَغْبَةً عَنْهَا، رَجَاءَ وُقُوعِهَا فِي يَدِ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا. (وَتَجُوزُ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ (لَهُ)، أَيْ: لِلْغَنِيِّ (وَلِكَافِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا صِلَةً كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَاهُ إيَّاهَا، «وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: صِلِي أُمَّكِ»، وَكَانَتْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَةً.
(وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي جَائِزَةِ السُّلْطَانِ وَمُعَامَلَتِهِ: أَكْرَهُهُمَا) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الشُّبْهَةِ، وَقَالَ: جَائِزَتُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ الْجَائِزَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلِلْأَخْذِ فِيهِ شُبْهَةٌ.
(وَقَالَ: هِيَ)، أَيْ: جَائِزَةُ السُّلْطَانِ (خَيْرٌ مِنْ صِلَةِ الْإِخْوَانِ)، لِمَا فِي صِلَتِهِمْ مِنْ الْمِنَّةِ، وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ خَيْرٌ مِنْهَا، وَقَالَ أَيْضًا: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَالَ أَيْضًا: يَمُوتُ بِدَيْنِهِ وَلَا يَعْمَلُ مَعَ الْحُكَّامِ. (وَمَعَ ذَلِكَ)، أَيْ: كَوْنِ الْجَائِزَةِ أَحَبَّ مِنْ الصَّدَقَةِ، (فَقَدْ هَجَرَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَوْلَادَهُ وَعَمَّهُ لَمَّا أَخَذُوهَا)، أَيْ: جَائِزَةَ السُّلْطَانِ وَقَالَ: يَهْجُرُ ابْنَهُ وَيُخْرِجُهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ مُعَامَلَةِ السُّلْطَانِ وَأَخْذِ جَائِزَتِهِ. (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى: (وَهُوَ)، أَيْ: فِعْلُ الْإِمَامِ، (يَقْتَضِي جَوَازَ الْهَجْرِ بِأَخْذِ الشُّبْهَةِ) خِيفَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ. (وَقَدْ هَجَرَتْ الصَّحَابَةُ بِمَا فِي مَعْنَاهُ)، أَيْ: أَخْذِ الشُّبْهَةِ، (كَهَجْرِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ ضَحِكَ فِي جِنَازَةٍ، وَ) هَجْرِ (حُذَيْفَةَ مَنْ شَدَّ الْخَيْطَ لِلْحُمَّى)، لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، (وَ) هَجْرِ (عُمَرَ مَنْ سَأَلَ عَنْ الذَّارِيَاتِ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَالنَّازِعَاتِ)، لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ عَمَّا لَا يَعْنِي، (وَ) هَجْرِ (عَائِشَةَ لِابْنِ) أُخْتِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَ: لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا)، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِمَا جَاءَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُهُ نَذَرَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ، ثُمَّ اسْتَشْفَعَ بِأَخْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ.